كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومثال هذا: الذين خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في البقاء على الجبل يوم أحد، إنهم خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فماذا يحدث لو أنهم انتصروا مع هذه المخالفة؟
إذن: فقد انهزم المسلمون الذين اختلت فيهم صفة من صفات جنديتهم لله.
ولابد أن تلتقي القضيتان: القرآنية والكونية؛ لأن قائل القرآن هو صاحب سنن الكون سبحانه وتعالى.
ولأن أهل مدين هنا قد أعلنوا الكفر؛ فلابد أن يأتيهم العذاب.
وسمَّى الحق سبحانه هنا العذاب بالصيحة؛ وقال: {وَأَخَذَتِ الذين ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود: 94].
وسمَّى الحق سبحانه في سورة الأعراف العذاب الذي لحق بهم: {الرجفة}؛ فقال: {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف: 91].
وسماه في قصة قوم عاد: {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} [الحاقة: 6].
وسمَّاه بالخسف في عذاب قارون.
ومن عظمة التوجيه الإلهي أن العذاب كان ينتقي القوم الكافرين فقط؛ ولا يصيب الذين آمنوا، بدليل قول الحق سبحانه: {نَجَّيْنَا شُعَيْبًا والذين آمَنُواْ مَعَهُ} [هود: 94].
ولا يقدر على ذلك إلا إله قادر مقتدر؛ يُصرِّف الأمور كما يشاء سبحانه. وكلمة {نجينا}: من النجاة؛ أي: أن يوجد بنجوة؛ وهي المكان العالي، والعرب قد عرفوا مبكرًا طغيان الماء؛ فقد كانوا يقيمون في اليمن ثم بعثرهم السيل مصداقًا لقول الحق سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشكروا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العرم وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ: 15- 16].
هكذا تفرق العرب من اليمن؛ وانتشروا في الجزيرة العربية، وكانوا يخافون من الماء رغم أنه سر الحياة؛ وفضَّلوا التعب في البحث عن الماء للشرب لهم ولأنعامهم؛ بدلًا من الوجود بجانب الماء، ومن عداوة الماء جاءت كلمة نجا أي: صعد إلى مكان مرتفع. واستخدمت كلمة نجا في كل موقف ينجو فيه الإنسان من الخطر الداهم، فيقال: نجا من النار؛ ونجا من العدو؛ ونجا من الحيوان المفترس؛ وكلها مأخوذة من النجوة، أي: المكان المرتفع. ويقال في الفعل (نجا): نجا فلان، إذا كانت قوته تسعفه ليخلص نفسه من العذاب.
أما إذا كانت قوته غير قادرة على تخليصه من العذاب، فهو يحتاج إلى مَنْ يُنجيه، ويُقال: أنجاه، إذا كانت المسألة تحتاج إلى جهد ومعالجة صعبة ليتحقق الفوز.
ونسب الفعل فيها إلى الله؛ فقال: {نجينا}. ويأتي الحق سبحانه في مثل هذا الأمر بضمير الجمع، كقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر} [القدر: 1]. فكل شيء فيه فعل من الحق سبحانه وتعالى يأتي الله فيه بضمير الجمع: إنَّا. أما إذا كان الشيء متعلقًا بصفة من صفات الذات الإلهية، فإن الحق سبحانه يأتي بضمير الإفراد (أنا) مثل قوله تعالى: {إنني أَنَا الله} [طه: 14]. وقد أنجى الحق سبحانه شعيبًا والذين آمنوا معه؛ لأن شعيبًا عليه السلام قال لقومه: {اعملوا على مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ} [هود: 93].
وكان عمل شعيب عليه السلام فيه صحة وعزيمة التوكل؛ لذلك أنجاه الله تعالى والذين آمنوا معه، فهو سبحانه لا يريد من عباده إلا التوجه بالنية الخالصة الصادقة إليه، فإذا توجَّه العبد بالنية الصادقة إلى الله، فالحق سبحانه يريح العبد، ويُعينه بالاطمئنان على أداء أي عمل.
ومجرد الإيمان بالله تعالى والاتجاه إليه بصدق وإخلاص؛ يفتح أمام العبد آفاقًا من النجاح والرفعة.. والمفتاح في يد العبد؛ لأن الحق سبحانه قد قال في الحديث القدسي: «من ذكرني في نفسه ذكرته في ملأ خير منه». إذن: فالمفتاح في يد العبد. والحق سبحانه هو القائل: «ومن تقرَّب إليَّ شبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا». وهكذا يترك الحق سبحانه أمر التقرب إليه للعبد، وعندما يتقرب العبد من الله تعالى، فإنه سبحانه يتقرَّب إلى العبد أكثر وأكثر.
ثم يقول الحق سبحانه في حديثه القدسي: «ومن جاءني يمشي أتيته هرولة». لأن المشي قد يُتعب العبد، لكن لا شيء يُتعب الحق سبحانه أبدًا؛ لأنه مُنزَّهٌ عن ذلك. إذن: فالحق سبحانه يريد منا أن نُخلص النية في الالتحام بمعية الله تعالى، ليضفي علينا ربنا سبحانه من صفات جلاله وصفات جماله. وانظروا إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه في الغار.. يقول الحق سبحانه: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا} [التوبة: 40].
أي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى صاحبه عن الحزن بعلة معية الله سبحانه وتعالى، ولابد أن أبا بكر الصديق قد قال كلامًا يفيد الحزن؛ لأن الحزن لم يأت له من تلقاء نفسه، بل من قانونٍ كوني، حين قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا».
لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلم عن القانون الكوني، لكنه يتكلم عن طلاقة قدرة المكوِّن سبحانه، فقال: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟».فمعية الله أضفت عليهما شيئًا من جلاله وجماله، والله سبحانه لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار.
وقد أنجى الحق سبحانه شعيبًا والذين آمنوا معه برحمة منه سبحانه، والرحمة ألا يصيبك شيء.
ومثال ذلك: إن الإنسان يعالج فيشفى، ومرة أخرى يحميه الله من الداء.
ولذلك انتبهوا إلى حقيقة أن القرآن قد جاء بأمرين: شفاء، ورحمة، فإذا كان هناك داء وترجعه إلى منهج الله؛ فالحق سبحانه يشفيه، والرحمة ألا يصيبك الداء من البداية.
وأما الذين ظلموا فقد أخذتهم الصيحة، وفي آية أخرى يقول سبحانه: {وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة} [هود: 67].
وفي هذه الآية يقول الحق سبحانه: {وَأَخَذَتِ الذين ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ} [هود: 94].
لأن القرآن على جمهرته جاء على لغة قريش، لا ليُعْلي قريشًا؛ ولكن لأن لغة قريش كانت مُصفَّاة من جميع القبائل العربية، فهي تملك صفوة لغة كل القبائل، ولكن لم يكن ذلك يعني أن نطمس بقية القبائل.
ولذلك جاء في القرآن بعض من لغات القبائل الأخرى، حتى لا يعطي لقريش سيادة في الإسلام كما كان لها سيادة في الجاهلية، لذلك يأتي بلغات القبائل الأخرى، فمرة ياتي بتاء التأنيث ومرة لا يأتي بها.
والتأنيث إما أن يكون حقيقيًا أو مجازيًا. والتأنيث الحقيقي هو المقابل للمذكر، مثل: المرأة. والتأنيث المجازي مثل: الصيحة والحجرة. وكانت القبائل العربية تتجاوز في المؤنث المجازي؛ فمرة تأتي التاء ومرة لا تأتي.
وإن كان هناك فَصْل بين الفعل والفاعل، فالفاصل قائم مقام التأنيث فيقول سبحانه: {وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة} [هود: 67]. فكأن الصيحة لها مقدرة على أن تأخذ بما أودعه فيها مُرسِل الصيحة من قوة الأخذ، وأخذه أليم شديد. ويُنهي الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله تعالى: {فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود: 94].
ونلحظ أن كل عذاب إنما يحدد له الحق سبحانه موعدًا هو الصبح، مثل قوله تعالى: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح أَلَيْسَ الصبح بِقَرِيبٍ} [هود: 81].
ومثل قول الحق: {فَسَاءَ صَبَاحُ المنذرين} [الصافات: 177].
والصبح هو وقت الهجمة على الغافل الذي لم يغادره النوم بعد، مثل زُوَّار الفجر الذين يقبضون على الناس قبيل النهار.
ويقول الحق سبحانه: {فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود: 94].
ولم يقل سبحانه: {فأصبحوا في دارهم جاثمين}؛ لأن بعضهم قد لا يكون في بيته، بل في مكان آخر لزيارة أو تجارة.
ومثال ذلك: قصة أبي رغال، وكان في مكة، لكن الحجر الذي قتله بإرادة الله سبحانه نزل عليه في البقاع ولم ينزل عليه الحجر في مكة؛ لأن الله سبحانه قد شاء ألا ينزل عليه الحجر في البيت الحرام، الآمن، وكأن الحجر قد تتَّبعه، مثلما تتبعت الصيحة الكفار من أهل مدين.
ونلحظ في الكلمة الأخيرة من هذه الآية الكريمة وهي {جاثمين} أن حرفي الجيم والثاء حين يجتمعان معًا بصرف النظر عن الحرف الثالث، ففيهما شيء من الهلاك، وشيء من الغنائية. ومعنى {جاثمين} أي: مُلقَون على بطونهم بلا حراك.
والحق سبحانه يقول: {وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} [الجاثية: 28]. أي: يركع كل مَنْ فيها على ركبتيه. ويقال عن الميت: الجثة. وانظروا إلى عظمة الحق سبحانه حين يجعل الناس تنطق لفظ الجثة تعبيرًا عن أي ميت عظيمًا كان أم وضيعًا، ثم توضع جثته في القبر، لتحتضنه أمه الأولى؛ الأرض. ومن يرغب في تهدئة إنسان ملتاع وغاضب لموت عزيز عليه، فَلْيقُلْ له: هل تتحمل جثمانه أسبوعًا؟ وسوف يجيب: لا. إذن: فبمجرد أن ينزع الله سبحانه السر الذي به كان الإنسان إنسانًا، وهو الروح، يصبح الإنسان جثة ثم يتخشب، ثم يَرِمُّ.
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك وصفًا لمن أخذتهم الصيحة من أهل {مدين}، {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} أي: أن من يمر على أهل مدين بعد ذلك كأنهم لم يكن لهم وجود.
والحق سبحانه يقول: {حتى إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وازينت وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا} [يونس: 24].
فالإنسان الذي ارتقى حتى وصل إلى الحضارات المتعددة، إلى حد أنه قد يطلب القهوة بالضغط على زر آلة، فإذا شاء الله سبحانه أزال كل ذلك في لمح البصر.
هذه الحياة المرفهة يستمتع فيها الإنسان كمخدوم، وهي غير الجنة التي ينال فيها الإنسان ما يشتهي بمجرد أن يخطر الأمر بباله.
وهنا يقول الحق سبحانه: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} [هود: 95]. ومادة الغنى منها: الغناء بكسر الغين وهو ما يغنيه المطربون، ومنها الغناء بفتح الغين وهو يؤدي إلى الشيء الذي يغنيك عن شيء آخر، فالغنى بالمال يكتفي عما في أيدي الناس.
وهكذا الغناء؛ لأن الأذن تسمع كثيرًا، والعين تقرأ كثيرًا، لكن الإنسان لا يردد إلا الكلام الذي يعجبه، والملحَّن بطريقة تعجبه؛ فالغناء هو اللحن المستطاب الذي يغنيك عن غيره.
والغَناء، أي: الإقامة في مكان إقامةً تغنيك عن الذهاب إلى مكان آخر، وتتوطن في هذا المكان الذي يغنيك عن بقية الأماكن.
إذن: فقول الحق سبحانه: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} [هود: 95].
أي: كأنهم لم يقيموا هنا، ويستغنوا بهذا المكان عن أي مكان سواه.
ويقول الحق سبحانه في موضع آخر من القرآن الكريم: {مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} [هود: 100].
أي: أن الأطلال قائمة بما تحتويه من أحجار ورسوم، مثل معابد قدماء المصريين، وأنت حين تزورها لا تجد المعابد كلها سليمة، بل تجد عمودًا منتصبًا، وآخر مُلْقىً على الأرض، وبابًا غير سليم، ولو كانت كلها حصيدًا؛ لاختفت تمامًا، ولكنها بقايا قائمة، ومنها ما اندثر.
وهذا يثبت لنا صدق الأداء القرآني بأنه كانت هناك حضارات، لأنها لو ذهبت كلها؛ لما عرفنا أن هناك حضارات قد سبقت.
ثم يقول الحق سبحانه: {أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} [هود: 95].
وكلمة ألا كما عرفنا من قبل هي أداة استفتاح ليلتفت السامع وينصت، فلا تأخذه غفلة عن الأمر المهم الذي يتكلم به المتكلم، وليستقبل السامع الكلام كله استقبال المستفيد.
وكلمة {بُعْدًا} ليست دعاءً على أهل مدين بالبعد؛ لأنها هلكت بالفعل، ومادة كلمة بُعْدًا هي: الباء والعين والدال وتستعمل استعمالين: مرة تريد منها الفراق؛ والفراق بينونة إلى لقاء مظنون، إما إذا كانت إلى بينونة متيقنة ألا تكون، ولذلك جاء بعدها: {كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} [هود: 95].
وهي تدل على أنه بعدٌ لا لقاء بعده إلا حين يجمع الحق سبحانه الناس يوم القيامة.
والشاعر يقول:
يَقُولُون لا تبعدْ وهُمْ يَدفِنُونَني ** وأينَ مَكَانُ البُعدِ إلا مَكانِيَا

فهذا هو البعد الذي يذهب إليه الإنسان ولا يعود.
ولما خَصَّ الحق سبحانه ثمود بالذكر هنا، وقد سبق أن قال سبحانه عن أقوام آخرين: {ألا بعدًا}؟ لأن الصيحة قد جاءت لثمود، وبذلك اتفقوا في طريقة العذاب.
وتنتهي هنا قصة شعيب عليه السلام مع مدين، ونلحظ أن لها مساسًا برسلٍ مثل موسى عليه السلام، مثلما كان لقوم لوط مساس بإبراهيم عليه السلام.
وهكذا نعلم أن هناك رسلًا قد تعاصرت، أي: أن كل واحد منهم أرسل إلى بيئة معينة ومكان معين. ولأن المرسل إليهم هم عبيد الله كلهم؛ لذلك أرسل لكل بيئة رسولًا يناسب منهجه عيوب هذه البيئة.
وإبراهيم عليه السلام هو عم لوط عليه السلام، وموسى عليه السلام هو صهر شعيب عليه السلام. وقد ذهب موسى إلى أهل مدين قبل أن يرسله الله إلى فرعون.
ونحن نعلم أن الأماكن في الأزمنة القديمة كانت منعزلة، ويصعب بينها الاتصال، وكل جماعة تعيش في موقع قد لا يدرون عن بقية المواقع شيئًا، وكل جماعة قد يختلف داؤها عن الأخرى.
لكن حين أراد الحق سبحانه بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كرسولٍ خاتمٍ، فقد علم الحق سبحانه أزلًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميعاد مع ارتقاء البشرية، وقد توحدت الداءات.
فما يحدث الآن في أي مكان في العالم، ينتقل إلينا عبر الأقمار الصناعية في ثوانٍ معدودة، لذلك كان لابد من الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم.
أما تعدد الرسل اللقطات لكل رسول بالقرآن، فليست تكرارًا كما يظن السطحيون؛ لأن الأصل في القصص القرآني أن الحق سبحانه قد أنزله لتثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كانت الآيات تنزل من السماء الدنيا بالوحي لتناسب الموقف الذي يحتاج فيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تثبيت للفؤاد.
ويبيِّن الحق سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يتذكر إخوانه من الرسل وما حدث لهم مع أقوامهم وانتصار الله لهم في النهاية، وحين أراد الحق سبحانه أن يقص قصة محبوكة جاء بسورة يوسف.
وهكذا فليس في القرآن تكرار، بل كل لقطة إنما جاءت لتناسب موقعها في تثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولنا أن نلحظ أن قصة شعيب عليه السلام مع قومه، ما كان يجب أن تنتهي إلا بأن تأتي فيها لقطة من قصة موسى عليه السلام، وهو صهر شعيب عليه السلام.
والملاحظ أن الحق سبحانه قد ذكر هنا من قصة موسى عليه السلام لقطتين:
اللقطة الأولى: هي الإرسال بالآيات إلى فرعون.
واللقطة الثانية: هي خاتمة فرعون لا مع موسى عليه السلام، ولكن مع الحق سبحانه يوم القيامة، يقول تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ النار وَبِئْسَ الورد المورود وَأُتْبِعُواْ فِي هذه لَعْنَةً وَيَوْمَ القيامة بِئْسَ الرفد المرفود} [هود].
وكان لشعيب عليه السلام مهمة تثبيت قلب موسى عليه السلام من الهلع، حين أعلن له أنه خائف من أن يقتله قوم فرعون لأنه قتل رجلًا منهم، فقال له شعيب عليه السلام ما ذكره الحق سبحانه في قوله: {نَجَوْتَ مِنَ القوم الظالمين} [القصص: 25].
وهكذا ثبَّته وهيَّأ له حياة يعيش فيها آمنًا لمدة ثماني حجج أو أن يتمها عشر حجج، مصداقًا لقول الحق سبحانه: {قَالَ إني أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابنتي هَاتَيْنِ على أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأجلين قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ والله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [القصص: 27- 28].